نظرة عامة
فرط التعرق، المعروف أيضًا باسم التعرق المفرط، وهو حالة يحدث فيها إنتاج العرق بكميات تفوق ما يحتاجه الجسم لتنظيم درجة حرارته. إذ يمكن أن يؤدي التعرق الشديد إلى تبليل الملابس أو يجعل اليدين تقطران بالعرق. وقد يُسبب هذا التعرق المفرط اضطرابًا في الحياة اليومية ويساهم في القلق الاجتماعي والشعور بالإحراج.
العرق هو سائل عديم اللون يُفرز من الغدد العرقية الإكرينية. وتتمثل وظيفته الأساسية في المساعدة على تنظيم درجة حرارة الجسم ومنع ارتفاعها. تنتشر الغدد الإكرينية في جميع أنحاء الجلد، ويتنقل العرق عبر القنوات إلى أن يصل إلى سطح الجلد. وعند وصوله إلى السطح، يتحول العرق من سائل إلى بخار، حيث يتبخر ليُبرّد الجسم.
يبدأ علاج فرط التعرق عادة باستخدام مضادات التعرق. وإذا لم تكن فعالة، قد تُستخدم أدوية وعلاجات أخرى. وفي الحالات الشديدة، قد يُلجأ إلى الخيارات الجراحية، مثل: إزالة الغدد العرقية أو قطع الأعصاب المسؤولة عن فرط إنتاج العرق. وفي بعض الأحيان، يتم تحديد وعلاج حالة طبية كامنة تُسبب فرط التعرق.
ينقسم فرط التعرق إلى نوعين رئيسيين:
- فرط التعرق البؤري الأولي: وهو الشكل الأكثر شيوعًا، وغالبًا ما يُورث وراثيًا. ويؤثر بشكل رئيسي على المناطق، مثل: الإبطين، واليدين، والقدمين، والوجه، وعادةً ما يبدأ قبل سن 25 عامًا.
- فرط التعرق الثانوي المعمم: يحدث نتيجة لحالات طبية كامنة أو استخدام أدوية معينة، مثل: النابروكسين. إذ يمكن أن يسبب في التعرق المفرط حتى أثناء النوم، وتشمل أسبابه داء السكري، ومرض باركنسون، وبعض الأدوية.
الأعراض
تختلف أعراض فرط التعرق في شدتها،والتي قد تؤدي إلى عدة مشكلات، مثل:
- رطوبة الجلد: يشعر الجلد برطوبة مستمرة نتيجة فرط إنتاج العرق.
- بلل الملابس: تصبح الملابس مبللة وغير مريحة بسبب التعرق الزائد.
- قطرات من العرق: قد تظهر قطرات من العرق على الخدين أو الجبهة أو أجزاء أخرى من الجسم.
ومع استمرار الحالة، قد تظهر مشكلات إضافية:
- تهيج الجلد: قد يؤدي التبلل المستمر إلى الحكة والالتهاب.
- رائحة الجسم: التفاعل بين العرق والبكتيريا على الجلد قد يؤدي إلى رائحة كريهة.
- مشكلات القدمين: قد يظهر تشقق أو تقشر في جلد القدمين بسبب فرط التعرق، ويُعرف هذا بفرط التعرق الأخمصي.
تتفاوت شدة الأعراض من إزعاج بسيط إلى أعراض مستمرة تؤثر على جودة الحياة. فضلًا عن ذلك، لفرط التعرق تأثير نفسي كبير؛ فكثير من المصابين يشعرون بالحرج من حالتهم وقد يتجنبون المواقف الاجتماعية. وإذا أثّر فرط التعرق على الصحة النفسية، فإنه من الضروري التحدث إلى المختصين للحصول على الدعم اللازم.
الأسباب
فرط التعرق، الذي يتمثل في التعرق الزائد، يحدث أساسًا بسبب فرط نشاط الغدد العرقية، وبشكل خاص الغدد العرقية الإكرينية. حيث تقوم هذه الغدد عادة بإنتاج العرق لتبريد الجسم عند ارتفاع درجة الحرارة، أو أثناء النشاط البدني، أو التوتر. إلا أن الأشخاص المصابين بفرط التعرق يعانون من نشاط مفرط في هذه الغدد، مما يؤدي إلى نوبات تعرّق غير متوقعة لا علاقة لها بدرجة الحرارة أو المشاعر. ويجرى حالياً بحث مستمر للكشف عن الأسباب الدقيقة وراء هذا الإفراط في إنتاج العرق.
يعرق الجسم بشكل طبيعي لتنظيم حرارته، حيث يقوم الجهاز العصبي على تحفيز التعرق عندما ترتفع حرارة الجسم. كما يمكن أن يؤدي التوتر العصبي إلى التعرق، خصوصاً في راحة اليدين.
فرط التعرق الأولي ينتج عن إشارات عصبية خاطئة تجعل الغدد الإكرينية مفرطة النشاط. وغالبًا ما يؤثر على المناطق، مثل: راحة اليدين، وباطن القدمين، وتحت الإبطين، وأحياناً الوجه. وغالبًا ما يكون وراثيًا ولا يرتبط بسبب طبي واضح.
أما فرط التعرق الثانوي، فينتج عن حالات طبية كامنة أو استخدام بعض الأدوية، مثل: المسكنات، ومضادات الاكتئاب، وأدوية السكري، والعلاجات الهرمونية. وقد يؤدي هذا النوع إلى التعرق المفرط في جميع أنحاء الجسم، ويرتبط بحالات، مثل: السكري، وهبات الحرارة المرتبطة بانقطاع الطمث، واضطرابات الغدة الدرقية، وبعض أنواع السرطان، واضطرابات الجهاز العصبي، والعدوى.
التشخيص
عادةً ما يتضمن تشخيص فرط التعرق فحصًا جسديًا وتقييمًا للأعراض والتاريخ الطبي للمريض. ولتشخيص الحالة على أنها فرط تعرق، يجب أن يكون الشخص قد عانى من التعرّق المفرط لمدة لا تقل عن ستة أشهر، بالإضافة إلى وجود إجابتين إيجابيتين على الأقل من المعايير التالية:
- التعرق يحدث في منطقة تحت الإبطين أو راحتي اليدين أو باطن القدمين أو الوجه.
- التعرق يحدث بشكل متماثل على جانبي الجسم.
- التعرق لا يحدث أثناء النوم أو يقل بشكل كبير أثناء الليل.
- نوبات التعرق الزائد تستمر لأسبوع أو أكثر.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بفرط التعرق.
- التعرق يؤثر سلبًا على الأنشطة اليومية.
- العمر أقل من 25 عامًا.
وللكشف عن السبب الكامن وراء فرط التعرق، قد يستخدم مقدمو الرعاية الصحية اختبارات تشخيصية متعددة، منها:
- اختبار النشا واليود: في هذا الفحص، يقوم الطبيب بوضع محلول يودي على المنطقة المتعرقة، ثم يرش عليها النشا. المناطق التي تعاني من تعرق مفرط تتحول إلى اللون الأزرق الداكن، مما يشير إلى وجود العرق.
- اختبار الورق: يتم وضع ورق خاص على المنطقة المتعرقة لامتصاص العرق، ثم يتم وزنه بعد مدة محددة لقياس كمية العرق المنتجة.
- تحاليل الدم أو اختبارات التصوير: قد تشمل هذه الفحوصات أخذ عينة دم أو استخدام تقنيات التصوير للكشف عن أسباب كامنة محتملة للأعراض، مثل: المشاكل الهرمونية أو العصبية.
تُساعد هذه الطرق التشخيصية الأطباء على تحديد سبب فرط التعرق ودرجته، مما يُمكِّنهم من وضع خطة علاجية مناسبة حسب حالة المريض.
العلاج
عادةً ما يبدأ علاج فرط التعرق بمعالجة السبب الأساسي إذا كان معروفًا. أما في حال عدم وجود سبب واضح، فيتم التركيز على السيطرة على التعرق الزائد. وإذا لم تُجدِ تدابير العناية الذاتية نفعًا، فقد يوصي الطبيب بخيارات علاجية متعددة. ومن المهم أن نُدرك أن الأعراض قد تعود حتى بعد العلاج.
الأدوية
- مضادات التعرق بوصفة طبية: قد يصف الطبيب مضادات تعرق تحتوي على كلوريد الألمنيوم. يتم وضعها على الجلد الجاف قبل النوم، وتُغسل في الصباح. حيث يُستخدم الدواء يوميًا في البداية، ثم يُخفض الاستخدام إلى مرة أو مرتين في الأسبوع. ويجب تجنب ملامسة العينين لأنها قد تُسبب تهيجًا، وينصح بمناقشة طرق تقليل الآثار الجانبية مع الطبيب.
- كريمات ومناديل طبية: لحالات فرط التعرق في الوجه والرأس، يمكن استخدام كريمات تحتوي على “غليكوبيرولات”. أما اليدان والقدمان وتحت الإبطين، فيمكن استخدام مناديل مبللة بمادة “غليكوبيرونيوم توزيلات”. من الآثار الجانبية المحتملة: تهيج خفيف في الجلد وجفاف الفم.
- أدوية حاصرة للأعصاب: بعض الأدوية الفموية يمكن أن تعيق الأعصاب التي تنبه الغدد العرقية، مما يُقلل من التعرق لدى بعض الأشخاص. ولكن قد تشمل آثارها الجانبية: جفاف الفم، تشوش الرؤية، ومشكلات في المثانة.
- مضادات الاكتئاب: بعض أدوية الاكتئاب يمكن أن تُقلل التعرق، وقد تساعد أيضًا في التخفيف من القلق المصاحب.
- حقن البوتوكس (توكسين البوتولينوم): يتم حقن البوتوكس في المناطق المصابة لوقف الإشارات العصبية الموجهة إلى الغدد العرقية. يشعر معظم الأشخاص بألم بسيط خلال الإجراء، ولكن يمكن استخدام كريمات تخدير إذا لزم الأمر. يبدأ تأثير العلاج في الظهور خلال عدة أيام، ويستمر عادةً حوالي ستة أشهر، وقد يحتاج إلى التكرار. ومن الآثار الجانبية المحتملة: ضعف مؤقت في العضلات القريبة من موقع الحقن.
الإجراءات الجراحية وغيرها:
- العلاج بالأيونتوفوريسيس (Iontophoresis) : علاج يُستخدم في المنزل يتضمن نقع اليدين أو القدمين في الماء بينما يطبّق الجهاز تيارًا كهربائيًا خفيفًا بهدف تعطيل الأعصاب التي تُسبب التعرق. يتطلب هذا العلاج جلسات منتظمة في البداية، مع إمكانية تعديل عدد الجلسات لاحقًا للحفاظ على النتائج. يجب مناقشة أي آثار جانبية محتملة مع مقدم الرعاية الصحية.
- العلاج بالموجات الدقيقة (miraDry) : يعتمد هذا العلاج على استخدام طاقة الموجات الدقيقة لتدمير الغدد العرقية في منطقة الإبط من خلال جلستين يفصل بينهما ثلاثة أشهر. تشمل الآثار الجانبية المحتملة تغيّرًا في الإحساس بالجلد وعدم الراحة، بينما لا تزال الآثار طويلة المدى غير معروفة.
- إزالة الغدد العرقية: إذا كان التعرق الزائد مقتصرًا على منطقة الإبط، يمكن إزالة الغدد العرقية من خلال الكشط (الكحت)، أو الشفط (الشفط الدهني)، أو دمج الطريقتين معًا (الكشط بالشفط).
- جراحة الأعصاب(القطع الودي- Sympathectomy) :إجراء جراحي يتم فيه إزالة جزء من الأعصاب الشوكية التي تتحكم في تعرق اليدين. ومع ذلك، قد يؤدي ذلك إلى تعرق تعويضي في مناطق أخرى من الجسم. تُعتبر هذه الجراحة عادةً خيارًا أخيرًا عندما تفشل العلاجات الأخرى. هناك خيار آخر يُعرف بـ”القطع الودي الجزئي (Sympathotomy)”، يتم فيه تعطيل إشارات الأعصاب دون إزالة العصب الودي، مما يقلل من خطر التعرق التعويضي. يمكن إجراء هذه العمليات تحت التخدير العام أو التخدير الموضعي مع التسكين.
ملاحظة:
ينبغي دائمًا استشارة الطبيب لتحديد الخيار العلاجي الأنسب لحالة المريض الخاصة وتفضيلاته الشخصية.
