نظرة عامة

فقدان الذاكرة (Amnesia) هو فقدان للذكريات التي تشمل الحقائق والمعلومات والتجارب السابقة. وغالبًا ما تُصوَّر هذه الحالة في الأفلام والتلفاز على أنها فقدان كامل للهوية، إلا أن ذلك ليس هو الواقع عادةً. في الحقيقة، يحتفظ الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة – ويُعرف أيضًا باسم متلازمة فقدان الذاكرة (Amnestic Syndrome) — بوعيهم بهويتهم الشخصية. إلاّ أنهم قد يواجهون صعوبات في تكوين ذكريات جديدة أو اكتساب معلومات حديثة.

يحدث فقدان الذاكرة عادةً بسبب تلف في مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة الذاكرة. وفي بعض الحالات، يمكن أن يكون فقدان الذاكرة مؤقتًا (Transient Global Amnesia) حيث تزول الأعراض بعد فترة قصيرة، في حين أن بعض الحالات الأخرى قد تكون دائمة. ورغم عدم وجود علاج محدد لفقدان الذاكرة نفسه، إلا أنه يمكن علاج الأسباب الكامنة وراء الحالة.

يمكن للأشخاص المصابين بفقدان الذاكرة، ومعهم أسرهم، التكيف مع الحالة من خلال اتباع استراتيجيات لتحسين الذاكرة والحصول على الدعم المناسب. وقد تتضمن هذه الاستراتيجيات استخدام وسائل مساعدة خارجية مثل: التقويمات، والملاحظات، والتذكيرات، للتعويض عن ضعف الذاكرة. كما يمكن أن يكون هناك دعم من المختصين في الرعاية الصحية، وإعادة التأهيل المعرفي، وأيضًا المشاركة في أنشطة تعزيز الذاكرة، والتي تعتبر من الأمور المفيدة في إدارة التحديات المرتبطة بفقدان الذاكرة.

الأعراض

يتميّز فقدان الذاكرة بخاصيتين أساسيتين:

  1. الصعوبة في اكتساب معلومات جديدة.
  2. الصعوبة في تذكّر الأحداث والمعلومات السابقة.

غالبًا ما يواجه المصابون بفقدان الذاكرة مشكلات في الذاكرة قصيرة المدى، مما يؤدي إلى صعوبة في الاحتفاظ بالمعلومات الجديدة. ونتيجة لذلك، قد يجدون صعوبة في تذكّر الأحداث الحديثة أو تعلّم الأشياء الجديدة. ومع ذلك، تظل الذكريات القديمة والعميقة غالبًا سليمة رغم ضعف الذاكرة قصيرة المدى.

فعلى سبيل المثال، قد يتذكّر المريض أحداثًا من طفولته أو أسماء رؤساء سابقين، لكنه قد لا يتمكّن من تسمية الرئيس الحالي أو تحديد الشهر أو تذكّر ما تناوله على الإفطار.
يُلاحظ أن فقدان الذاكرة المعزول — كما هو الحال في المصابين بمتلازمة فقدان الذاكرة — لا يؤثر على الذكاء أو المعرفة العامة أو الوعي أو مدى الانتباه. تبقى هذه القدرات المعرفية سليمة رغم ضعف الذاكرة. وبالمثل، لا يؤثر فقدان الذاكرة على هوية الشخص أو شخصيته أو قدرته على الحكم واتخاذ القرار.

وعادة ما يستطيع الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة القراءة والتحدث، بل ويمكنهم تعلّم مهارات جديدة مثل العزف على البيانو أو ركوب الدراجة. كما يكون هؤلاء الأشخاص واعين تمامًا بصعوباتهم في الذاكرة، ويدركون حدود قدرتهم على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها.

يُعد الخرف (Dementia) حالة مختلفة عن فقدان الذاكرة. ففي حين أن فقدان الذاكرة عرض شائع في الخرف، إلا أن الخرف يتضمن مشكلات معرفية أخرى تؤثر على القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، مثل: صعوبات في اللغة، ضعف في الحكم واتخاذ القرار، ومشكلات في القدرات البصرية والمكانية.
كذلك، هناك حالة أخرى تُعرف باسم الضعف الإدراكي البسيط (Mild Cognitive Impairment)، حيث يعاني الشخص من فقدان ذاكرة ومشكلات معرفية، لكنها ليست شديدة كما هو الحال في الخرف.

الأعراض الإضافية

اعتمادًا على السبب الكامن وراء فقدان الذاكرة، قد تظهر أعراض إضافية ترافق فقدان الذاكرة. وقد تشمل هذه الأعراض ظهور ذكريات زائفة، والتي يمكن أن تكون إما مختلقة بالكامل أو ذكريات حقيقية فُقدت مع مرور الوقت. في بعض الحالات، قد يظهر الارتباك أو التشوش أيضًا.

إذا عانى شخص من فقدان ذاكرة بشكل غير مبرر، أو إصابة في الرأس، أو حالة من الارتباك المستمر، فمن الضروري أن يطلب المساعدة الطبية على الفور. وفي بعض الأحيان، قد يواجه الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة صعوبة في توجيه أنفسهم أو إدراك حاجتهم إلى الرعاية الطبية. من المهم مساعدة أي شخص تظهر عليه أعراض فقدان الذاكرة في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.

الأسباب

هناك مناطق عديدة في الدماغ تشارك في وظيفة الذاكرة الطبيعية، إذ يمكن أن يتأثر عمل الذاكرة بأي اضطراب أو إصابة في الدماغ.

يمكن أن يؤدي تلف أجزاء من الجهاز الحوفي (الذي يتحكم في العواطف والذكريات) إلى الإصابة بفقدان الذاكرة. وتشمل هذه الأجزاء المهاد (الثالاموس)، وهو بنية تقع في عمق مركز الدماغ، وكذلك تشكيلات الحُصين الموجودة في الفصين الصدغيين للدماغ.

يُستخدم مصطلح فقدان الذاكرة العصبي لوصف فقدان الذاكرة الناتج عن تلف أو إصابة في الدماغ. وقد يحدث هذا النوع من فقدان الذاكرة نتيجة لأحد الأسباب التالية:

  • نقص الأكسجين في الدماغ، والذي قد يحدث بسبب نوبة قلبية، أو مشاكل في التنفس، أو تسمم بأول أكسيد الكربون.
  • إساءة استخدام الكحول لفترة طويلة، مما يؤدي إلى نقص الثيامين (فيتامين ب1) في الجسم وتُعرف هذه الحالة باسم متلازمة فيرنيك كورساكوف.
  • السكتة الدماغية.
  • أورام الدماغ في المناطق المسؤولة عن الذاكرة.
  • تدهور أنسجة الأعصاب، كما في مرض الزهايمر وأمراض أخرى.
  • نوبات الصرع.
  • بعض الأدوية ذات التأثير المهدئ، مثل: البنزوديازيبينات.
  • التهاب الدماغ، الذي قد ينجم عن عدوى فيروسية مثل: فيروس الهربس البسيط، أو عن استجابة مناعية لوجود سرطان في مكان آخر من الجسم. كما يمكن أن يحدث دون وجود سرطان نتيجة تفاعل مناعي ذاتي.
  • إصابات الرأس الناتجة عن الارتجاج، سواء أثناء ممارسة الرياضة أو في حادث سيارة، يمكن أن تسبب ارتباكًا وصعوبة في تذكر المعلومات الجديدة، خصوصًا في المراحل الأولى من التعافي. عادةً ما لا تؤدي إصابات الرأس الطفيفة إلى فقدان ذاكرة دائم، ولكن الإصابات الأكثر شدة قد تسبب ذلك.

هناك نوع آخر نادر من فقدان الذاكرة يُعرف بـ فقدان الذاكرة الانفصالي (الانشقاقي)، وينتج عن الصدمة العاطفية أو النفسية الشديدة. فقد يكون ناتجًا عن التعرض لجريمة عنيفة أو صدمة مؤلمة أخرى. قد يفقد المصابون بهذا النوع ذكرياتهم الشخصية ومعلومات عن حياتهم، وغالبًا ما يكون فقدان الذاكرة مؤقتًا.

عوامل الخطر

قد يكون الشخص أكثر عرضة للإصابة بفقدان الذاكرة إذا كان قد تعرضت لأحد العوامل التالية:

  • السكتة الدماغية.
  • إصابة في الرأس.
  • جراحة في الدماغ.
  • تناول الكحول.
  • نوبات الصرع.

التشخيص

يُعد التقييم الشامل ضروريًا لتحديد فقدان الذاكرة (الأمينسيا) بدقة واستبعاد الأسباب المحتملة الأخرى لفقدان الذاكرة. حيث يساعد هذا التقييم الدقيق في استبعاد تفسيرات بديلة مثل: أورام الدماغ، أو أنواع مختلفة من الخرف، أو الاكتئاب، أو مرض الزهايمر. ومن خلال إجراء فحص دقيق، يمكن للأطباء تشخيص فقدان الذاكرة بدقة وتحديد العوامل الأساسية المسببة له.

التاريخ الطبي

يتم جمع التاريخ الطبي قبل بدء التقييم. وغالبًا ما يقدم أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو مقدّم الرعاية المعلومات، لأن الشخص المصاب بفقدان الذاكرة قد لا يكون قادرًا على ذلك بشكل كامل.

قد يطرح الطبيب عددًا من الأسئلة لفهم حالة فقدان الذاكرة بشكل أفضل. ومن بين الموضوعات التي يمكن تناولها:

  • نوع فقدان الذاكرة وما إذا كان حديثًا أم مزمنًا.
  • بداية ظهور المشكلة وتطورها مع الوقت.
  • وجود تاريخ عائلي لأمراض عصبية، خصوصًا في الأقارب المباشرين.
  • تعاطي الكحول أو المخدرات المحظورة.
  • عوامل مسببة مثل: الإصابات الدماغية، أو الجلطات الدماغية، أو جراحة سابقة.
  • أعراض إضافية مثل: الارتباك، أو مشكلات لغوية، أو تغيّرات في الشخصية، أو عدم القدرة على الاعتناء بالنفس.
  • تاريخ مرضي سابق مع السرطان، أو الاكتئاب، أو الصداع النصفي (الشقيقة)، أو نوبات الصرع.

الفحص البدني

قد يتضمن الفحص البدني تقييمًا عصبيًا للتحقق من ردود الأفعال الانعكاسية، والوظائف الحسية، والتوازن.

الاختبارات الإدراكية (العقلية)

عادةً ما تتضمن هذه الاختبارات أسئلة تقيس القدرة على التفكير والحكم والتذكر على المدى القصير والطويل.
قد يُطلب منك الإجابة عن أسئلة تتعلق بمعلومات شخصية أو أحداث تاريخية، أو معرفة حقائق عامة مثل اسم الرئيس الحالي. كما قد يُطلب منك تكرار مجموعة من الكلمات.
يساعد تقييم الذاكرة على تحديد درجة فقدان الذاكرة وتقديم معلومات حول نوع المساعدة التي قد يحتاجها المريض.

الاختبارات التشخيصية

قد يقترح الطبيب أيضًا ما يلي:

  • فحوصات التصوير، مثل: التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو الأشعة المقطعية (CT) للكشف عن انكماش أو تغيّرات في الدماغ.
  • تحاليل الدم: للكشف عن الأمراض أو نقص الفيتامينات أو مشكلات أخرى.
  • تخطيط كهربائية الدماغ : (EEG) لمعرفة ما إذا كان هناك نشاط صرعي.

العلاج

يركّز العلاج الأساسي لفقدان الذاكرة على تطبيق استراتيجيات تعويضية تساعد المريض على التكيّف مع ضعف الذاكرة. كما يُعد معالجة الحالات أو الأمراض الأساسية المسببة للنسيان أمرًا ضروريًا. ومن خلال التركيز على الأسباب الجذرية لمشكلات الذاكرة، يستطيع الأطباء تحسين إدارة الحالة والنتائج العلاجية للأشخاص المصابين بفقدان الذاكرة.

العلاج الوظيفي

قد يعمل المريض مع أخصائي العلاج الوظيفي لمساعدته على تعلّم معلومات جديدة أو استعادة ما فُقد من المعرفة السابقة. وقد يركّز العلاج أيضًا على استخدام الذاكرة السليمة المتبقية كأساس لمعالجة المعلومات الجديدة.
تتضمن التدريبات على الذاكرة تقنيات لتنظيم المعلومات بحيث يصبح من الأسهل تذكّرها وفهمها عند التواصل مع الآخرين.

المساعدة التقنية

يستفيد العديد من المصابين بفقدان الذاكرة من استخدام التكنولوجيا الذكية مثل: الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية المحمولة. حتى الأشخاص الذين يعانون من الفقدان الشديد للذاكرة يمكنهم استخدام منظِّمات إلكترونية تساعدهم على أداء المهام اليومية عند الحصول على التدريب المناسب.
على سبيل المثال:

يمكن برمجة الهاتف الذكي لتذكير المريض بتناول الأدوية أو تذكيره بالمواعيد المهمة.

أما الوسائل التقليدية منخفضة التقنية فتشمل:

  • دفاتر الملاحظات.
  • التقويمات الحائطية.
  • منظِّمات الأدوية (pill trackers)
  • الصور الشخصية أو صور الأماكن المألوفة.

الأدوية والمكملات

في الوقت الحالي، لا يوجد دواء فعّال لمعظم أنواع فقدان الذاكرة. إذا كان فقدان الذاكرة ناتجًا عن متلازمة فيرنيك كورساكوف (Wernicke-Korsakoff syndrome)، فقد يساعد العلاج في منع تفاقم الضرر، رغم أن معظم المرضى لن يستعيدوا ذاكرتهم المفقودة بالكامل. يشمل العلاج في هذه الحالة:  تعويض نقص فيتامين ب1 (الثيامين)، ضمان تغذية كافية، الامتناع التام عن تناول الكحول. أما إذا كان مرض ألزهايمر هو السبب الكامن وراء فقدان الذاكرة، فقد تساعد أدوية مثبّطات إنزيم الكولينستريز (Cholinesterase inhibitors)  في تخفيف الأعراض وتحسين الوظائف الإدراكية.

الأبحاث المستقبلية

قد تؤدي الأبحاث مستقبلاً إلى اكتشاف علاجات جديدة لاضطرابات الذاكرة. ومع ذلك، من غير المرجّح أن يكون هناك دواء واحد يمكنه معالجة جميع مشكلات الذاكرة، نظرًا إلى تعقيد الأنظمة الدماغية المسؤولة عن عملية التذكّر والتعلّم.

للمزيد من المعلومات ولحجز المواعيد، نرجو الاتصال بنا من خلال فريقنا في الخدمات العربيّة

Doctors who treat this condition